سورة الرعد - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{عالم الغيب} ما غاب عن الخلق {والشهادة} ما شاهدوه {الكبير} العظيم الشأن الذي كل شيء دونه {المتعال} المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها. وبالياء في الحالين مكي {سَوَاء مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} أي في علمه {وَمَنْ هو مستخفٍ بالَّيْل} متوارٍ {وَسَارِبٌ بالنهار} ذاهب في سربه أي في طريقه ووجهه يقال سرب في الأرض سروباً. و{سارب} عطف على {من هو مستخف} لا على {مستخف} أو على {مستخف} غير أن {من} في معنى الاثنين والضمير في {لَهُ} مردود على {من} كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب {معقبات} جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه لأن بعضهم يعقب بعضاً أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه {مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي قدامه ووراءه {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} هما صفتان جميعاً وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله أي من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب بدعائهم له {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الحال الجميلة بكثرة المعاصي {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً} عذاباً {فَلاَ مَرَدَّ لَهُ} فلا يدفعه شيء {وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} من دون الله ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم.


{هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفًا وَطَمَعًا} انتصبا على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين والمعنى يخاف من وقوع الصواعق عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبوالطيب:
فتى كالسحاب الجون يخشى ويرتجي *** يرجّى الحيا ومنه وتخشى الصواعق
أو يخاف المطر من له فيه ضرر كالمسافر ومن له بيت يكف ومن البلاد ما لا ينتفع أهله بالمطر كأهل مصر ويطمع فيه من له نفع فيه {وَيُنْشِيءُ السحاب} هو اسم جنس والواحدة سحابة {الثقال} بالماء وهو جميع ثقيلة، تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال: {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} قيل يسبح سامعو الرعد من العباد الراجين للمطر أي يصيحون بسبحان الله والحمد لله وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرعد ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب» والصوت الذي يسمع زجره السحاب حتى ينتهي إلى حيث أمر {والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله {وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء} الصاعقة: نار تسقط من السماء لما ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال: {وَهُمْ يجادلون فِي الله} يعني الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلون في الله حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث وإعادة الخلائق بقولهم: {مِنْ يحييا العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ويردون الوحدانية باتخاذ الشركاء ويجعلونه بعض الأجسام بقولهم الملائكة بنات الله. أو الواو للحال أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم وذلك أن أربد أخا لبيد بن ربيعة العامري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه مع عامر بن الطفيل قاصدين لقتله فرمى الله عامراً بغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية وأرسل على أربد صاعقة فقتله أخبرني عن ربنا أمن نحاس هو أم من حديد.
{وَهُوَ شَدِيدُ المحال} أي المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف لاستعماله الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه يأتيهم بالهلكة من يحث لا يحتسبون.


{لَهُ دَعْوَةُ الحق} أضيفت إلى الحق الذي هو ضد الباطل للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق وأنها بمعزل من الباطل والمعنى أن الله سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة ويعطي الداعي سؤله فكانت دعوة ملابسة للحق لكونه حقيقاً بأنه يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه واتصال {شديد المحال} وله دعوة الحق بما قبله على قصة أربد ظاهر لأن إصابته بالصاعقة محال من الله ومكر به من حيث لم يشعر وقد دعا رسول الله عليه وعلى صاحبه بقوله: «اللهم اخسفهما بما شئت» فأجيب فيهما فكانت الدعوة دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم إن دعا عليهم {والذين يَدْعُونَ} والآلهة الذين يدعوهم الكفار {مِن دُونِهِ} من دون الله {لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} من طلباتهم {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء لِيَبْلُغَ فَاهُ} الاستثناء من المصدر أي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير: لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم. واللام في ليبلغ متعلق ب {باسط كفيه} {وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} وما الماء ببالغ فاه {وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضلال} في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا الأصنام لم تستطع إجابتهم.
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض} سجود تعبد وانقياد {طَوْعاً} حال يعني الملائكة والمؤمنين {وَكَرْهًا} يعني المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق {وظلالهم} معطوف على {من} جمع ظل {بالغدو} جمع غداة كقنىً وقناة {والآصال} جمع أصل أصيل. قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال، وظل الكافر يسجد كرهاً وهو كاره، وظل المؤمن يسجد طوعاً وهو طائع {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله} حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال: لهم من رب السموات والأرض لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، دليله قراءة ابن مسعود وأبي {قالوا الله} أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب إلا هذا {قُلْ أفاتخذتم مّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض اتخذتم من دونه آلهة {لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّاً} لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضرراً عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير} أي الكافر والمؤمن أو من لا يبصر شيئاً ومن لا يخفى عليه شيء {أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظلمات والنور} ملل الكفر والإيمان. {يستوي} كوفي غير حفص {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ} بل أجلعوا ومعنى الهمزة الإنكار {خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ} خلقوا مثل خلقه وهو صفة ل {شركاء} أي أنهم لم يتخذوا الله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله {فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} فاشتبه عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلاً أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق {قُلِ الله خالق كُلّ شَيْءٍ} أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة، ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهم خلقوها فتشابه الخلق على قولهم {وَهُوَ الواحد} المتوحد بالربوبية {القهار} لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6